JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
مياومة
Home

تفسير الاستواء بالجلوس والقعود!

سمعت مقطعًا لأبي إسحاق الحويني ينكر فيه معنى الجلوس في تفسير قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى). ويزعم أننا لا نستطيع أن نفسر استواء الله بالجلوس، لأن هذا التفسير يستلزم المماسة للكرسي، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى، لأجل ذلك فسر العلماء الاستواء بقولهم (علا وارتفع). انتهى كلام الرجل.

وقال ابن عثيمين: (فأما تفسير استواء الله تعالى على عرشه بالجلوس والقعود؛ فقد ذكره بعضهم، لكن في نفسي منه شيء). مجموع فتاوى ابن عثيمين (1/ 196).
وقال عبدالرحمن البراك: الأولى التوقف في إطلاق هذا اللفظ؛ إلا أن يثبت). شرح الرسالة التدمرية (ص 188).
وهكذا كثير من المواقع الإلكترونية والتي يشرف عليها كثير من الحزبيين ممن لا يعرفوا مذهب السلف.
والرد على هذا من وجوه:
أولًا: بخصوص الحويني؛ فالرجل غير متخصص في العقيدة، كما ذكر ذلك عن نفسه، فقال: (أنا لست متخصصًا في العقيدة). فإذا كنت غير متخصص في العقيدة فلماذا تنفي عن الله معنى أثبته السلف؟! كان يسعك السكوت إذ لم تعرف مذهب السلف، أو على الأقل تسأل المتخصصين في العقيدة، فيخبرونك بما جاء في السنة عن ذلك.
ثانيًا: قال عبدالله بن أحمد حنبل في كتاب السنة (10): حدثني أحمد بن سعيد أبو جعفر الدارمي قال: سمعت أبي قال: سمعت خارجة يقول: الجهمية كفار، بلغوا نساءهم أنهن طوالق وأنهن لا يحللن لأزواجهن، لا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم، ثم تلا: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) إلى قوله عز وجل: (الرحمن على العرش استوى) وهل يكون الاستواء إلا بجلوس؟!).
وقال عبدالله بن أحمد حنبل في كتاب السنة (587): حدثني أبي، نا وكيع بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن خليفة عن عمر رضي الله عنه قال: (إذا جلس الرب عز وجل على الكرسي)، فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع- وهو زكريا بن عدي، كما في مسائل صالح- فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها.
وهكذا ذكرها صالح بن أحمد بن حنبل في مسائله.
وفي السنة لعبد الله (584): (سئل عما روي في الكرسي، وجلوس الرب عز وجل عليه؟ فقال: رَأَيْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَحِّحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَحَادِيثَ الرُّؤْيَةِ وَيَذْهَبُ إِلَيْهَا وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ وَحَدَّثَنَا بِهَا).
وقال الدارقطني في أبيات له:
وَلا تنكروا أَنَّهُ قاعد ... وَلا تجحدوا أَنَّهُ يقعده
وقال أبو إسماعيل الهروي: الاستواء في اللغة: جلوس وصعود والاستقرار.
وقال أبو موسى المديني: سألت أبا القاسم إسماعيل بن محمد يوماً، وقلت له: أليس قد روي عن ابن عباس في قوله تعالى: (استوى) قعد؟ قال: نعم.
وفي إثبات الحد للدشتي ( ٤٧) عن الشعبي عن عبدالله بن مسعود أنه قال:(الرحمـٰن على العرش استوى)، فقال: جالس.
وعن عباد بن منصور قال: سألت الحسن وعكرمة عن قوله: (الرحمن على العرش استوى)، قالا: جالس. إثبات الحد للدشتي (ص174).
وقال الدارمي في النقض على المريسي (ص:71): (لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، ويهبط ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط، ويقوم ويجلس إذا شاء).
ثالثًا: من الذي نفى المماسة عن الله سبحانه وتعالى؟!
قال القاضي في الروايتين والوجهين في المسائل العقدية (ص53): (وقال شيخنا أبو عبدالله- يقصد ابن حامد- الاستواء بمعنى المماسة وأنه قاعد على عرشه. وهو قول عبدالوهاب. قال شيخنا أبو عبدالله: أحمد قد أثنى على عبدالوهاب، وقال: هو إمام، وذلك أن إطلاق الاستواء في لغة العرب هو ما ذكرنا، فيجب أن يحمل عليه).
وقال ابن حامد الحنبلي (ت:403هـ): (ومما يجب الإيمان به والتصديق ما ورد في الأخبار من المماسة والقرب من الحق سبحانه... وقد اعتمد أصحابنا في ذلك على جواب أبي عبدالله في هذا في المقام المحمود).
انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/214).
بل جاء في السنة ما يدل على إثبات المماسة لله تعالى، كما في فضيلة آدم وداود عليهما السلام:
ففي الشريعة للآجري (٣/‏١١٨٥) عن كعب الأحبار قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الجنة بيده، ثم قال: تكلمي: فقالت: (قد أفلح المؤمنون). [المؤمنون ١].
وفي السنة لعبدالله بن أحمد (1165) عن عبيد بن عمير، في قوله تعالى: (وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب) قال: (ذكر الدنو منه، حتى ذكر أنه يمس بعضه).
وفي مصنف ابن أبي شيبة (٧/‏٢٨) عن حكيم بن جابر قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يمس بيده من خلقه غير ثلاثة أشياء: خلق الجنة بيده، ثم جعل ترابها الورس والزعفران، وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسى عليه السلام).

وفي السنة لعبدالله بن أحمد (573) عن عكرمة قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده شيئًا إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وغرس الجنة بيده، وكتب التوراة بيده).
وفي السنة لعبدالله بن أحمد (574) عن خالد بن معدان قال: (إن الله عز وجل لم يمس بيده إلا آدم صلوات الله عليه خلقه بيده، والجنة، والتوراة كتبها بيده).
وقال الدارمي في النقض على المريسي (١/‏٧٩): (فيقال لهذا المريسي الجاهل بالله وبآياته: فهل علمت شيئًا مما خلق الله ولي خلق ذلك غيره، حتى خص آدم من بينهم أنه ولي خلقه من غير مسيس بيده؟ فسمه! وإلا فمن ادعى أن الله لم يلي خلق شيء- صغير أو كبير- فقد كفر غير أنه ولي خلق الأشياء بأمره، وقوله، وإرادته، وولي خلق آدم بيده مسيسًا، لم يخلق ذا روح بيديه غيره، فلذلك خصه وفضله، وشرف بذلك ذكره، لولا ذلك ما كانت له فضيلة في ذلك على شيء من خلقه، إذ خلقهم بغير مسيس في دعواك.
وأما قولك: (تأكيد للخلق). فلعمري إنه لتأكيد جهلت معناه فقلبته، إنما هو تأكيد اليدين، وتحقيقهما وتفسيرهما، حتى يعلم العباد أنها تأكيد مسيس بيد، لما أن الله قد خلق خلقًا كثيرًا في السماوات والأرض أكبر من آدم وأصغر، وخلق الأنبياء والرسل، وكيف لم يؤكد في خلق شيء منهما ما أكد في آدم).
وقال أيضًا في النقض على المريسي (١/‏٨٠): (فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرمه وشرفه بها، وآثره على جميع عباده؛ إذ كل عباده، خلقهم بغير مسيس بيد، وخلق آدم بمسيس).
وقال أيضًا (1/83): (لله تعالى يدان؛ بهما خلق آدم، ومسه بهما مسيسًا).
وقال ابن شاقلا الحنبلي (ت:369هـ) عندما أنكر الكلابي الدمشقي أن الله يمس شيئًا، قال له ابن شاقلا: (وكذا تقول في آدم لما خلقه بيده؟ قال: كذا أقول. إن الله عز وجل لا يمس الأشياء! فقلت له: سويت بين آدم وسواه، فأسقطت فضيلته، وقد قال الله تعالى: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ). طبقات الحنابلة (٢/‏١٢٩).
رابعًا: إذا ثبت شيء عن السلف فلا ينبغي لأحد أن يقول: (أنا أتوقف في ذلك، أو في نفسي منه شيء). فمن وجد الأثر، فلا عليه أن يسرع في الحكم، والقول بما جاء في الأثر.
جاء في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 478): (قَالَ أَفْلَحُ بْنُ مُحَمَّدٍ: قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنِّي أَكْرَهُ الصِّفَةَ- عَنَى صِفَةَ الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ- فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَنَا أَشَدُّ النَّاسِ كَرَاهَةً لِذَلِكَ, وَلَكَنْ إِذَا نَطَقَ الْكِتَابُ بِشَيْءٍ, وَإِذَا جَاءَتِ الْآثَارُ بِشَيْءٍ ‌جَسَرْنَا ‌عَلَيْهِ " وَنَحْوَ هَذَا).
فالخلاصة أنه قد جاء في تفسير الاستواء لله بألفاظ منها: (الارتفاع والعلو والصعود والاستقرار والجلوس والقعود).
وكلها معان صحيحة شرعًا ولغة.
author-img

أبو رزان محمد بن عبدالحليم

Comments
    NameEmailMessage