JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
مياومة
Home

اقرؤوا على موتاكم يس!

رأيت رجلًا من هيئة المزارات ينكر على مبتدع صوفي ماتريدي كونه يقرأ سورة يس على قبر حمزة رضي الله عنه، فاحتج عليه هذا الصوفي بحديث: (اقرؤوا على موتاكم يس). وتصحيح ابن حبان له، فأجابه الرجل بأن المقصود بالموتى هنا المحتضرون، فأبى ذلك الصوفي وقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (موتاكم). وأنتم- يقصد الوهابية- تقولون: محتضريكم!

والجواب عن ذلك من وجوه:
أولًا: حديث: (اقرؤوا على موتاكم يس). رواه أحمد وأبو عبيد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وغيرهم عن أبي عثمان- وليس بالنهدي- عن أبيه، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله: (اقرؤوا على موتاكم يس)، وفي لفظ: (اقرؤها على موتاكم- يعني: يس).
وأبو عثمان هذا قيل: اسمه سعد. قال علي ابن المديني: «لم يرو عنه غير التيمي، وهو إسناد مجهول». وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: هو ابن عثمان السكني، وذكره البخاري في التاريخ الكبير، وقال: «ليس بالنهدي، يروي عن أبيه». وقال غيره: «لا يعرف هو ولا أبوه». انظر: تهذيب الكمال (7506).
وأما الحديث فقد قال عنه الدارقطني: (هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث).
وقال ابن عدي: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، ليس له أصل.
بل حتى علماء الأشاعرة أبناء عمومة الماتريدية- الذي ينتمي إليهم هذا الماتريدي- يضعفونه:
قال النووي في الأذكار (ص117): إسناده ضعيف؛ فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود.
وقال ابن حجر في نتائج الأفكار: هذا حديث غريب.
وقال ابن حجر في التلخيص (2/104): أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال روايه أبي عثمان وأبيه. ونقل ابن العربي عن الدارقطني أنه حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث. انتهى.
وقال ابن علان في شرح الأذكار: قال الحافظ: وأما الحاكم فتساهل في تصحيحه، لكونه من فضائل الأعمال، وعلى هذا يحمل سكوت أبي داود.
ثانيًا: لو صح الحديث لكان محمولًا على المحتضرين، وليس الذين ماتوا فعليًّا كما توهمه ذلك المأفون، ودليل ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله). فهل المراد بموتاكم هنا من مات، أو المراد: المحتضرون؟! لا شك أن المراد هنا المحتضرون، كما في قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إليه وهو في سياقة الموت، وعرض عليه قول: لا إله إلا الله.
فالمقصود (بموتاكم) أي: باعتبار ما سيكون، كما قال أحد السجينين ليوسف عليه السلام: (إني أراني أعصر خمرًا). فإن الخمر لا تعصر، وإنما المراد: أعصر عنبًا. كما في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه. باعتبار أن العنب سيكون خمرًا بعد عصره، فكذلك المحتضر سيكون ميتًا بعد ذلك.
ثالثًا: قد روى ابن حبان هذا الحديث في صحيحه (7/269)، وبوب عليه بقوله: (قراءة سورة "يس" على من حضرته المنية. ثم قال ابن حبان: قوله: "اقرؤوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس" أَرَادَ بِهِ مَنْ حَضَرَتْهُ الْمَنِيَّةُ لَا أَنَّ الْمَيِّتَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إله إلا الله".
فجعل القراءة لمن حضرته المنية، وليس الميت، وراوي الحديث أعلم بتأويله.
وبوب عليه كذلك ابن ماجه في سننه (1448) في باب الجنائز، بقوله: (باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر).
رابعًا: لو أخذنا بظاهر الحديث كما قال هذا الصوفي الجهمي، لزمه أن يأخذ بظاهر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ). فعلى ظاهر الآية يلزمه أن يتوضأ لكل صلاة يقوم إليها حتى ولو كان متوضئًا، غير أن الصحيح أنه لا وضوء إلا من حدث.
روى الطبري في تفسيره (10/7) عن يحيى بن واضح قال: حدثنا عبيدالله قال: سئل عكرمة عن قول الله: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق"، فكلَّ ساعة يتوضأ؟ فقال: قال ابن عباس: لا وضوء إلا من حَدَثٍ).
وعن واقع بن سحبان: أنه شهد أبا موسى صلى بأصحابه الظهر، ثم جلسوا حِلَقًا على شاطئ دجلة، فنودي بالعصر، فقام رجال يتوضؤون، فقال أبو موسى: لا وضوء إلا على من أحدث.
وكان سعد بن أبي وقاص يُصلِّي الصلوات بوضوءٍ واحد. ويقول: صلّ بطهورك ما لم تحدث.
وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً). فظاهرها أن يجوز أن نأكل الربا ضعفًا واحدة، إذ النهي عن الأضعاف المضاعفة.
وكذلك قوله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا). فظاهرها جواز إكراه الفتيات على البغاء إذا لم يردن تحصنًا.
وكذلك قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ). فظاهرها جواز قتل الأنبياء إذا كان بحق.
والأمثلة على هذا كثرة. غير أن الظاهر ليس هو المراد، وإنما خرج مخرج الغالب.

خامسًا: نريد صحابيًّا واحدًا فهم من هذا الحديث جواز قراءة يس على الموتى بعد موتهم. أو أنه أوصى بذلك أو فعله.
بل إن جميع الأحاديث التي فيها الأمر بزيارة القبور ليس فيها استحباب قراءة القرآن على الموتى، ولو كان مستحبًا أو ظاهر الحديث مرادا- كما زعم هذا الصوفي الجاهل- لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة.
فعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية). رواه مسلم.
وروى أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى البقيع، فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تضلنا بعدهم).
ولما رخص للصحابة في زيارة القبور قال لهم: (فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة).
فأين الوصية بقراءة يس أو غيرها عند الدخول إلى القبور أو زيارتها؟!
فلو كانت القراءة مشروعة لعلمها ذلك، ولنقلها الصحابة رضي الله عنهم لنا.
سادسًا: هذا الصوفي الماتريدي مذهبه الفقهي حنفي، وهو المذهب المعتمد في تركيا والتي يقطن فيها هذا المخلوق، ومذهب الجمهور من الأحناف والمالكية عدم جواز القراءة عند القبور.
بينما العكس صحيح، فإن مذهب جمهور الأحناف والمالكية والحنابلة استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر، لا الميت.
حتى قال ابن تيمية كما في الاختيارات (ص 91): والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " اهـ
وقال ابن القيم في الروح (1/11): «إن عمل الناس وعادتهم قديمًا وحديثًا، يقرءون (يس) عند المحتضر. وقال: لها خاصية عجيبة في قراءتها عند المحتضر». اهـ
سابعًا: قد ورد النهي في تشبيه البيوت بالمقابر، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن في البيوت ونهى عن قراءة القرآن في المقابر، فقال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة). رواه مسلم والترمذي.
ففي هذا الحديث بيان أن المقابر لا يقرأ عندها شيء من القرآن، وأن الذي لا يقرأ شيئًا من القرآن في بيته، فكأنه يعيش في مقبرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، ولا تتخذوها قُبوراً). رواه مسلم.
ثامنًا: قد فهم الصحابة رضي الله عنه مما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (يس) تقرأ على المحتضر وليس الميت، كما فهمته الأشاعرة والماتريدية، وإذا احتجوا برواية أحمد لهذا الحديث، فإن أحمد رحمه الله قد روى عن الصحابة ما يدل على أنهم يريدون المحتضر لا الميت.
فقد قال أحمد في المسند (16969): «حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثني المشيخة: أنهم حضروا غُضيف بن الحارث الثُّمالي حين اشتد سَوْقُه، فقال: هل منكم أحد يقرأ (يس)؟ قال: فقرأها صالح بن شريح السكوني، فلما بلغ أربعين منها قُبض، قال: فكان المشيخة يقولون: إذا قرئت عند الميت؛ خُفف عنه. بها قال صفوان، وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد». اهـ
فهذا غضيف بن الحارث رضي الله عنه- وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه أن يقرأوا عنده سورة (يس) وهو في سياقة الموت تخفيفًا عليه، وتبعه في ذلك علماء الشام ممن أدركوه.
تاسعًا: قد فهم التابعون وأتباعهم مما تعلموه من الصحابة أن يس تقرأ على المحتضر وليس الميت، كما فهمته الأشاعرة والماتريدية، ففي المعرفة والتاريخ (1/179) قال عبدالرحمن بن مهدي: «لما كان اليوم الذي مات فيه سفيان الثوري، ذهبت لأخرج لصلاة العصر. فقال: تدعني على هذه الحال وتخرج؟! قال: فصليت عند رأسه، فقال لي: اقرأ عليَّ (يس)، فإنه يُقال: تخفف عن المريض. قال: فقرأت عليه، فما فرغت حتى طفئ- أي: مات-». اهـ
author-img

أبو رزان محمد بن عبدالحليم

Comments
    NameEmailMessage