من اللطائف في هذا الباب، أن إذلال المبتدعة ليس مقتصرًا على أهل السُّنة من الرِّجال فحسب، بل تعداه إلى النساء، بل إلى فساق المسلمين، بل إلى الجن، بل حتى الحيوانات:
ففي تاريخ دمشق (69/111) في ترجمة حُولا بنت بهلول المتعبدة، قال ابن عساكر: «شَهدَتْ عند محمد بن يحيى بن حمزة، وكان قاضيًّا على دمشق، وكان لا يجيز شهادةَ إلا من امتحنه بخلق القرآن- يعني: أيام ابن أبي دؤاد- فقال للحولا: ما تقولين في القرآن؟ فنشرت كفيها وفرَّقت بين أصابعها وأشارت بهما على وجهه، وقالت: سخام على وجهك، ثم ولَّت فخرجت. قيل: لم تر أن تشهد عنده بعدما سمعت من امتحانه إياها في القرآن». اهـ
وفي حلية الأولياء (6/212) قال غسان بن المفضل: حدثني رجل من قريش، قال: «كان عمرو بن عبيد يأتي كهمسًا، يُسلم عليه ويجلس عنده هو وأصحابه، فقالت له أمه: إني أرى هذا وأصحابه، وأكرههم وما يعجبوني، فلا تجالسهم، قال: فجاء إليه عمرو وأصحابه فأشرف عليهم، فقال: إن أمي قد كرهتك وأصحابك، فلا تأتوني». اهـ
وفي تاريخ بغداد (12/248) عن محمد بن سويد الطحان، قال: «كنا عند عاصم بن علي- الحافظ المحدث، وكان يلقب بسيد المسلمين- ومعنا أبو عبيد القاسم بن سلام، وإبراهيم بن أبي الليث وجماعة، وأحمد بن حنبل يُضرب ذلك اليوم، فجعل عاصم يقول: ألا رجل يقوم معي فنأتي هذا الرجل فنكلمه- أي: المعتصم- قال: فما يجيبه أحد، قال: فقال إبراهيم بن أبي الليث: يا أبا الحسين! أنا أقوم معك. قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط، وفيه: يا أبانا! إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل، فضربه بالسَّوط على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فوالله لئن يأتينا نعيك، أحبُّ إلينا من أن يأتينا أنك أجبت». اهـ
وفي طبقات الحنابلة (2/43) قال ابن بطة رحمه الله: اجتاز بعضُ المحبين للبربهاري ممن يحضر مجلسه من العوام- وهو سكران- على بِدعي، فقال البِدعيُّ: هؤلاء الحنبلية- يريد غمزهم- قال: فرجع إليه، وقال: الحنبلية على ثلاثة أصناف: صنف زهاد يصومون ويصلون. وصنف يكتبون ويتفقهون. وصنف يصفعون لكل مخالف مثلك؛ وصفعه وأوجعه!
وفي الإبانة الكبرى (6/117) عن هارون بن عبدالله السمسار، قال: «مَرَّ بي أحمد بن نصر بن حمزة الخزاعي المقتول في القرآن، وإنه في دكاني بباب الطاق نصف النهار، فجلس يستريح، إذ صُرِع رجل، فقام أحمد فغطى رأسه ليقرأ عليه، فإذا الجنية تقول من جوفه: يا أبا عبدالله! دعني، فإنه يقول: القرآن مخلوق، فقال: اخنقيه يا سُنّية! اخنقيه يا سُنّية!». اهـ
وفي منتخب المنثور من الحكايات والسؤالات (42) قال ابن طاهر المقدسي: «سمعت عبدالمؤمن بن عبدالصمد الزاهد بـ(تنِّيس)، يقول: كان عندنا بتنيس رجل رافضي، وكان على طريق مسكنه كلب، يعبر عليه كل من بالمحلة من كبير وصغير فلا يتأذى به، إلى أن يعبر الرافضي فيقوم ويمزق ثيابه ويعقره، إلى أن كثر ذلك منه واشتهر، فشكا إلى صاحب السلطان، وكان من أهل مذهبه، فبعث من ضرب الكلب وأخرجه من المحلة. ففي بعض الأيام نظر الكلب إلى ذلك الرجل الرافضي وهو جالس على بعض الدكاكين في السوق، فصعد على ظهر السوق وحاذى الرافضي، وخرى عليه، فخرج الرجل من تنيس من خجالته.
ولما حَكى لي الشيخ عبدالمؤمن هذه الحكاية، وكان في مجلسه جماعة من أهل البلد، فكلهم عرفوا الحكاية وصاحبها وحكاها لي، وهي عندهم مشهورة بتنيس». اهـ
وفي معجم الشيوخ الكبير (2/55) قال الذهبي: (حدثنا الزين علي بن مرزوق، بحضرة شيخنا تقي الدين المنصاتي، قال: سمعت الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي ابن الواصلي يقول في ملأ من الناس: حضرت عند سونجق خزندار هولاكو وأبغا، وكان ممن تنصر من المغول، وذلك في دولة أبغا في أولها، وكنا في مخيمه، وعنده جماعة من أمراء المغول، وجماعة من كبار النصارى في يوم ثلج، فقال نصراني كبير لعين: أي شيء كان محمد؟ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان راعيا، وقام في ناس عرب جياع فبقي يعطيهم المال ويزهد فيه فيربطهم، وأخذ يبالغ في تنقص الرسول، وهناك كلب صيد عزيز على سونجق في سلسلة ذهب فنهض الكلب، وقلع السلسلة ووثب على ذاك النصراني فخمشه وأدماه، فقاموا إليه فقاموا إليه، وكفوه عنه وسلسلوه، فقال بعض الحاضرين: هذا لكلامك في محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أتظنون أن هذا من أجل كلامي في محمد؟ لا، ولكن هذا كلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد ضربه فوثب، ثم أخذ أيضا يتنقص النبي صلى الله عليه وسلم ويزيد في ذلك فوثب إليه الكلب، ثانيا وقطع السلسلة وافترسه، والله العظيم، وأنا أنظر ثم عضَّ على زردمته- يعني حلقه أو رقبته- فاقتلعها فمات الملعون.
وأسلم بسبب هذه الواقعة العظيمة من المغول نحو من أربعين ألفا، واشتهرت الواقعة). انتهى.
وفي سير أعلام النبلاء (4/37) عن أبي إسحاق الفيروزابادي، قال: «سمعت القاضي أبا الطيب، يقول: كنا في مجلس النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، حتى استُدل له بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الوارد فيها، فقال- وكان حنفيًّا-: أبو هريرة غير مقبول الحديث! فما استتم كلامه، حتى سقطت عليه حيَّةٌ عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهرب الشاب منها وهي تتبعه، فقيل له: تُبْ! تُبْ! فقال: تبت. فغابت الحية، فلم يُر لها أثر».
قال الذهبي: «إسنادها أئمة، وأبو هريرة رضي الله عنه إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وأدائه بحروفه، وقد أدى حديث المصراة بألفاظه، فوجب علينا العمل به، وهو أصلٌ برأسه». اهـ